الرئيسية / عواطف نعيم.. سرديات مسرح الاحتجاج - شوقي كريم حسن

عواطف نعيم.. سرديات مسرح الاحتجاج - شوقي كريم حسن

* كلما توغلت في اعماق المسرودات التجسيدية ، في المسرح هم وجودها الاول، والتلفزيون، والاذاعة، ودت لو ان الحياة انتمت الى هذا التطهير السرمدي، وتبنته باخلاص يشبه ذاك الذي يحدث في معمورة هذا الكون ، المتمسك بكليته بموجوداته الجمالية، حين رأت المسرح يمنح الارواح بهاءا، انتمت اليه كمجسدة عارفة ما تريد ومتابعة دقيقة لكل الحيثيات التي تخص شخصيات التجسيد، لا تتعامل مع فكرة التجسيد بسهولة، ولا ترضى بان تظل عند الخارج من الشخصية، لابد من توغل تحليلي عميق، قرب اساتذتها اليها، ووضعها عند الصف الاول من المجسدات الراغبات جدا بتجاوز المألوف السائد في الاشتغالات المسرحية العراقية، كانت القاسم الاهم في معظم هذه الجماليات، والقوة الفاعلة التي تسعى الى التكامل، مع قدرة فطنة على امتلاك ادواتها الجسدية والصوتية، كانت تتأمل الصراخ والوجع، وتدونه بهدوء الموثق، دون ان تفكر بأنه قد يغزو مكاناً جمالياً ذات لحظة، اقتحمت الاذاعة لتصيخ كم من الدرامات الاجتماعية، ليست مجسدة هذه المرة، بل خالقة صراع، وباثة لافكار، ودافعة الى التحريض، وهذه واحدة من اهم سمات الفعل التدويني لدى عواطف نعيم، في المسرح، شكل القهر اليومي الذي تعرضت له نساء الحروب، ملمحاً تفردت فيه، وحللت كل مستوياته السلبية، لتضع خطوطاً حمر مصحوبة بادانات متلاحقة، وضعت المتلقي الذي ادمن عيش هذا القهر ومتابعته، الى اعادة تأهيل نفسي اولاً، ثمة الكثير من الانكسارت التي تعيشها شخوص مسرحيات عواطف نعيم المكتوبة والمكونة لقواها التصويرية التي تبث الروح وتعيد صناعة الاثام، عواطف نعيم ، وحدها من امسكت بخيوط اللعبة الدرامية الكبرى، جسدت، ودونت، وقادت فوق خشبة المسرح وجوه تجسيدية كبيرة ومؤثرة، ماالذي دفع بها الى تبني كل تلك التواريخ المخيفة بشخوصها التي لاتفسر الحياة وكينوناتها الا من خلال الوجع؟

هي تصنع مواقف درامية، بغرض الادانة للعقل الجمعي الانساني الذي وقف حائراً امام كل ما تتعرض له الانثى من انتهاكات ومسخ لوجودها الارثي الذي يقاسم الكون بنصفه؟

شخوص عواطف نعيم، تشعر بالحيف، لكنها لاتسعى الى طرق الخلاص، العجز يدفع الى الانهدام والتوقف، وليس ثمة جدوى من سلوك انقاذ قد تكون مغلقة، او مكررة لذات الماساة، تلك لحظات العجز، تدونها الساردة بقوة تفحص نفسي مؤمنة ان الخلاص يحتاج الى تكاتفات جمعية، وان ليس هناك من منقذ فرد، الانهزام يعيد تكوين الروح، لكنه لايدفع الى الاحتجاج والثورة، لابد من ارثيات جمعية هي التي تدفع الروح الى الدفاع عن وجودها، ولان عواطف نعيم، تجد في المسرح منقذها الروحي، تعامل شخوصها المجسدة بحذرية عالية، وتحركها بشروحات توضيحية، تسهم في خلق ممثل تخلى عن تاريخه التجسيدي، لينتمي الى ماهو حاضر، مع استخدامات تاثيرية محسوبة، الزمان ومكوناته، والمكان ومشعاته على المتلقي، مع تناول اضائي يخاطب النفس اولاً، وان كانت تميل الى استخدام العتمة، مؤمنة ان العتمة هي الاكثر تأثيراًْ ، مادامت شخوصها المسرحية تتحرك وتصنع الافعال داخل هذه المررات، من اين يجيء الامل؟

هذه فكرة بحث ادهاشية، الجزع التراجعي، وعتمة الامكنة، واستحواذ الزمان على كل الموجودات، لايساعد على البحث عن الامل، حتى وان كان بسيطاً، تلك التشكيلة المعرفية هي التي اعطت لعواطف نعيم، مساحات اشتغال اثارت اللغط والكراهيات غير المبررة، والتي تتوافر على غايات خارج المقاصد الجمالية، هي الفنانة العراقية وربما العربية الوحيدة التي ابدعت تجسيداً، وقدمت للتلفاز مجموعة من الاشتغالات الدرامية الناجحة، ومنحت الاذاعة مسلسلات اجتماعية على غاية من الاهمية، هذا التعدد لم نجده عند فنانة غيرها، ولا اظنه يحصل في السنوات القابلة، بعد ان تراجعت الحياة واصبح الفن، مبعداً بكليته ، وثمة من يعلن بصوت عال، ان لا اهمية لهذا الفن ولا ضرورة، وهذه واحدة من أهم المخاطر التي تواجه الحياة، التي لايمكن ان تنمو وتستمر دون فن يبعث على الامل.. ولكن من اين يجيء الاملٌ؟

والليالي اصبحت اكثر قسوة واعتاماً وتخاذلاً، لابد من مراجعات جريئة وفاعلة تمنح الفن وجوده، ليعيد التوازن الجمالي الذي اختل كثيراً!!

14-10-2020, 22:42
عودة