*اعتراف اولي.
الحرب دخلت اعمارنا من اوسع ابوابها، تطارد مماشينا اينما اتجهت بنا المخاوف، على طبق الجنون نحمل الارواح، وعند كوانين التمرد يعلو صراخ الاحتجاج الصامت احياناً، لانعرف كيفيات الخلاص ولا ازمنة البقاء، الحروب خلقت منا كائنات تنتظر، وتعد التوابيت، وتودع، وسط هذه اللحظة الماجنة، تعرفت إلية، ضابط دخل الصحافة، لم اك اعرف انه يمتهن الشعر، ولم اقرأ له هنيهة شعر، لكني احببت فيه، دماثة اخلاقه، وجمال روحه، وابتعاده عن الجنون الذي كان جيل المرآب والخنادق الحالم بالشعر يمارسه،.
*(دخول في اكتشاف الشعر).
الشعر وجدانية روحية، ان خرجت صوره عن هذه المعاني، غدا باهتاً، لايثير الشهية، ولا يسكن القلوب لتردده الالسن، او تهضم العقول معانية، يقال، في ديوان العرب الذي تمرد الشعر العراقي عليه منذ منتصف الخمسينيات، أن اعذب الشعر اكذبه، فكيف اذا كان هذا الشعر تصور ونمى وكان من وقائع الايام وتلاحقاتها؟
هل يفيد الكذب مع تجارب حفرت عميقاً في الارواح، حتى صارت صوراً شعرية؟
لا يمكن ان يعطي الكذب عذوبة لحقائق فيها من الادهاش والغرابة والجنون الشيء الكثير، قرأ فهمي الصالح، سيول من الموروثات الشعرية، متنقلاً بين عنترة وجرير والفرزدق والعباس بن الاحنف، حاطاً ركابه عند الشريف الرضي وعمر بن ابي ربيعة، لكنه روح مسكونة بالقلق، ومأخوذ برغبات البحث الذي يريد من خلاله الأستمرار، مرته هذه سحرته ثورة الشعر الحديث، فتأمل السياب بدقة الحاسد، ولحقه بتجارب البياتي وبلند وحسب الشيخ جعفر، وتعمق عن تجارب الجيل الستيني الذي كان عنوانا لاضطرابات الايدلوجية، ثمة صراعات قاسية، ومحاولات شطب متلاحقه، لهذا نفرت نفسه، وود لو اخذته القصيدة الى مناطق بكر، وهذا ما كان له فعلاً، يجمع فهمي الصالح بين امرين شعريين مهمين، اقترابه من حكمة المتصوفة وبناءاتهم الصورية، واسلوبية المشهد الواحد الذي يقترب احياناً من السردية القصيرة جداً، او هو يأخذ ملامحها السمية عن قصد، ترقيمات فهم الصالح لاتشير الى العزل، بل تأخذ متلقيها الى تسلسلات تصاعدية، يبدأ مشهده الحكائي الأول بحركة موسيقية تثير السؤال الذي يهز كيان المتلقي، دون ان يمنحه فرصة للتأمل، والأستفهام، وما يلبث ان يدخله في اتون سيل من الأسئلة المتتالية، التي تعمق الجدل الفلسفي الصوفي، وتشير الى دلالات روحية تبدو اول وهلة هادئة، لكنها تدفع الى الترقب والوجل.
ماالذي يبحث عنه الصالح، وكيف دخل امكنة محظورة لأنها تحتاج الى تجليات روحية خالصة، وهو الذي يبدو مهموماً ومثقلاً بالواقع الذي بات يحاصره بالاحزان والاثام والتراجعات؟
حين اتسعت العبارة، احرقته نيران الضيق، لافائدة ترتجى من هذا الأتساع، لهذا عمد الى ان تكون عبارته مختصرة مع اتساع بالمعنى، وقدرة على صياغة يومه وكأنه ات من قلب تلك التأملات العرفانية المخلصة، لايمكن ان يقرأ المتلقي نصوص فهمي الصالح ، على غير هذه القاعدة، ولا يمكنه زحزحتها باتجاه الحاضر بحثاً عن مرجعيتها، الصورة المسحوبة من الحاضر اكتست كل توصيفات الجملة العرافنية، وامتهنت بجدارة الغنائية العذبة التي تدفع الى الارتحال واياها، وتلك ميزة لم تظهر الا في القليل من تجارب مجايلي الصالح ومن جاء بعدهم، الروح تتأرجح بين صد وانتظار، لكنها حين تدون المقاصد الشعرية نراها سمحة واضحة الدلالة، قادرة على التأثير، مايؤخذ على فهم الصالح هو بطء تعامله مع الشعر، واتخاذه كوسيلة ارضاء للذات، ولهذا ظل نتاجه قليلاً، هذا غير امتناعه الكلي في اعتلاء المنابر والتبشير بوجوده الشعري، ولانه زاهد ابتعدت عنه النقدية العراقية ، التي تعلمت منذ زمن بعيد ان لاتبحث وتجد، بل تجد امامها كل ماهو جاهز حتى وان كان الجاهز لايقدم الشعر العراقي على ماهو معروف عليه، تحتاج النقدية ولوج عوالم فهمي الصالح وتحليلها لانها تتوافر على كل ماهو مغاير غير منتم لآخر..!!