وانا اقلب قصائد الشاعر حسين جار الله اقف مندهشا وانا ألج ابواب عوالم قصائده المختلفة بخياله الجامح لعلّي اوفق في كشف الشفرات وما يومئ او يشير له فأرى هذيانا شعريا بانزياحات لغوية غرائبية بعينه الخفية وبسخرية لاذعة ، تذكرني بغرائبية وجنون عباقرة السريالية دافنشي ، بيكاسو او (سلفادور دالي ) وهو يرسم بيضة تسيل على غصن شجرة او ساعة تسيل شكلا ونتاجا في ثيمة لوحاته،
كما في مقطع من قصيدته "تلة الطبائع"
(وأنت على تلة الطبائع
حجركَ تسيل بوذيته جمراً على أقمشة الشغب
حيث تستحم بحكايا غيبوبتكَ الجدّة)
عرفت ان من له القدرة على أنسنه الاشياء والامكنة الا ان حسين جار الله أنسنه الكلمات فكل كلمة عنده انسان بحد ذاته ف(القلق ) مثلا يمشي يأكل او يستمع الى اغنية او ربما قلقه يضحك او يقلق.. وأسلوبه هذا عكس فكر الكاتب وشخصيته بناءً على اختياراته الواعية ، استوقفتني قصيدته (تلة الطبائع) الغنية بالكثير من المعاني والصور
ابتدأ بعنوان قصيدته(تل الطبائع)
وهو العتبة الاولى فاتحة القصيدة والذي يفضي بنا الى متنها معتمدا لغة فيها الانزياح وهو وسيلة من وسائل الايحاء الذي تميز به نصه الشعري الباذخ و الخروج عن المألوف والمُعتاد، والتنحّي عن السائد والمتعارَف عليه وهو من ميزات معظم قصائده، تجاوز المألوف وتخطيه فهو في (تلة من الطبائع )صّير من هذا التراكم تلة ، الطباع جمع الطَّبع ، الصفات السلوكية التي يأتيها الانسان ويراد بها الشين والعيب ، وقد يراد بهذا العنوان تعبيرا لمناسبة وسبب هذه القصيدة موضوعا نفسيا يأخذنا عميقا في أغوار خلجات عقله الواعي متذمرا ساخرا من واقع مبكي فوقه ابتسامة وهذا يشبه الى حد ما رسام الكاريكاتير في نقده وسخريته اللاذعة، القصيدة فيها الصبغة الرمزية الفلسفية والنفسية
اضافة جمالية في نقل الشاعر تجربته الشعورية للمتلقي مؤثرا فيه، وذلك بفضل التشبيه او المجاز .
يتبين ايضا من خلال العنوان انطباعا يحمل دلالات حسية سلبية (طبائع)
ممزق/ تنوء/قلق/ لوعة/مهجورة/ غيبوبة/رتابة/هموم/مخدوعة /عبث...
(شكراً للممَزَّق تغسله الأرجوحة بغروبها)
(شكراً لرقص النملة وهي تنوء بسهر عصمتها)
(شكراً لقلقٍ خبّأ مستحيله في النارنج)
يفتتح الشاعر القصيدة بمطلع نصه الباذخ الغني بالخيال والصور الشعرية (شكرا/ للممزق/ تغسله الارجوحة بغروبها)
ارى في هذه نصوصا فيها من التكثيف والايحاء والغرائبية في هذه المقاطع الثلاث كوميض قصصي بلغة شعرية يفتح بابا للتأويل لكل متلقي فالمفارقة (غسل ذلك الممزق بالشتات والالم النفسي في ساعة الغروب هدهده الارجوحة )
(رقص النملة/ تنوء بسهر عصمتها) وكذلك (القلق /خبأ مستحيله/ في النارنج)
مملّحة بالقناعة لوعة الجهات
مهجورة طرائف المرمر كثديٍ كاذب
جعل الشاعر من كلماته افعال الانسان( الجهات/ لوعة ) والمرمر/طرائف
وأنت على تلة الطبائع
حجركَ تسيل بوذيته جمراً على أقمشة الشغب تسيل/ بوذيته
حيث تستحم بحكايا غيبوبتكَ الجدّة تستحم / بحكايا
ولطفك الرّز يقهقه في الصحون المارقة الصحون/قهقهة
يلتقط الشاعر الهم والوجع الانساني بصورة وخيال شعري يربطه بالمعرفة الانسانية والاجتماعية والسيكولوجية ، اغرق القصيدة بالغموض والذاتية والغوص في دائرة انسانية ضيقة ، فهو نص مطرز لغويا ومحمل بالصور الشعرية المكثفة أرى ان القصيدة نخبوية بامتياز
لا ريب في سدانة الحشائش لخصية الطيش سدانة/ الحشائش ، خصية / الطيش
لا ريب في عيش تنتزعه القابلة كسهم من بطن رتابة رتابة/ بطن
ففي هذين المقطعين كسابقها والذي يليها ابدع الشاعر فهو كصياد محترف للرموز والافكار والكلمات ويوظفها بشكل ميتافيزيقي
ومهن تلحم شقوق ضحاياها بهدنة الضّب :
نجّار الامتحان الأخير . جزّار هموم النحلة
طبيب الأماسي المخدوعة . حلّال مشاكل العناكب
وهنا أراد الشاعر وبلغة شعرية غرائبية ومجاز أن ينقد وبتهكم وسخرية لاذعة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وعدم الجدوى والاتيان بأنصاف الحلول او تكاد تنعدم ،في وضع الشخص المناسب في المكان الغير مناسب مما أدى الى اضطراب في الواقع المجتمعي والذي ينعكس بدوره على الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي.
هنا تعطلت قهوةُ المفاجأة بفم الرسالة الطارئة
هنا هاجر عصفور وبقي ريش الأسم
عبث سقطت محفظة نقوده فتلاقفتها الأسئلة
وأنت هناك . بدين هجرتك ونحيف اسمك
تقف فرداً على تلة الطبائع المحرقة
جاءت هذه المقاطع كنتيجة حتمية لواقع الفساد والتردي المجتمعي في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية ومن خلال قريحته الشعرية انتقى كلمات راقية وبأنزياحات لغوية وبلاغة الغموض
قهوةُ المفاجأة / فم الرسالة الطارئة
هاجر عصفور / بقي ريش الأسم
عبث سقطت محفظة نقوده/ تلاقفتها الأسئلة
بدين هجرتك/ نحيف اسمك
ابيات مدهشة وغريبة حلق الشاعر على أجنحة الخيال ، مارس جنون اللغة العذب كما يقول نيتشه ( اللغة نوع من الجنون العذب ، فعند الحديث بها يرقص الانسان فوق جميع الاشياء)) ارى ذلك جليا في تلك الابيات الذي كان همه البحث عن الجمال في اللغة في الصوره الشعرية الجميلة وايقاعها المدهش
فها هو يؤنسن كلماته ، شاعر غير تقليدي فأنا أمام تركم هائل من المعاني والاستعارات والمجاز، ارى ذلك قمة في الابداع بشكل متوازن بين اللفظ والمعنى
يأكل/يشرب/يتنفس/ يتحرك
يأكل . فهذه جاذبية ساذجة بين فمه وقمر الموائد
يشرب . فهذه غربة الأشياء السائلة
يتنفس . فهذه مروحة تهجو عذريتها
يسكن . فهذه رعشة مكتبةٍ على جسد بقّال
يتحرك . فهذه سباحة صامتة أساء غناءها صيف العمق
البيئة الشعرية للنص فالشاعر ابن بيئته التي تؤجج عواطفه فتثير ملكته الشعرية كاشفا حالته النفسية وما يعتريه من انفعالات فمن خلالها يتولد ابداع الشاعر وارهاصاته الشعرية فتشهد له بسعة ثقافته وذوقه العالي وتمكنه اللغوي ، اتسمت قصيدته بمسحة رمزية نفسية وفلسفية
تحياتي للشاعر المبدع الذي تألق في هذا النص كما في غيره اتمنى ان اكون قد وفقت في قراءتي في هذا النص الباذخ بالجمال
تلة الطبائع
شكراً للممَزَّق تغسله الأرجوحة بغروبها
شكراً لرقص النملة وهي تنوء بسهر عصمتها
شكراً لقلقٍ خبّأ مستحيله في النارنج
مملّحة بالقناعة لوعة الجهات
مهجورة طرائف المرمر كثديٍ كاذب
وأنت على تلة الطبائع
حجركَ تسيل بوذيته جمراً على أقمشة الشغب
حيث تستحم بحكايا غيبوبتكَ الجدّة
ولطفك الرّز يقهقه في الصحون المارقة
لا ريب في سدانة الحشائش لخصية الطيش
لا ريب في عيش تنتزعه القابلة كسهم من بطن رتابة
ومهن تلحم شقوق ضحاياها بهدنة الضّب :
نجّار الامتحان الأخير . جزّار هموم النحلة
طبيب الأماسي المخدوعة . حلّال مشاكل العناكب
هنا تعطلت قهوةُ المفاجأة بفم الرسالة الطارئة
هنا هاجر عصفور وبقي ريش الأسم
عبث سقطت محفظة نقوده فتلاقفتها الأسئلة
وأنت هناك . بدين هجرتك ونحيف اسمك
تقف فرداً على تلة الطبائع المحرقة
يأكل . فهذه جاذبية ساذجة بين فمه وقمر الموائد
يشرب . فهذه غربة الأشياء السائلة
يتنفس . فهذه مروحة تهجو عذريتها
يسكن . فهذه رعشة مكتبةٍ على جسد بقّال
يتحرك . فهذه سباحة صامتة أساء غناءها صيف العمق
سقط قفص مهنته فطار حشد أسرى وديكة ديون ومريدون محمرّون ببلاغة الشتات
الحياة يا صاحبي بين نحّات ومهرّب
كن نحّاتاً يهرّب جنونه وراء مخافر المهن الخاوية