يعد العنوان المختار لرسائل وأطاريح الدراسات العليا، واجهة اختزال مكثف لعمق فكري معرفي علمي واسع، للدلالة على ان هناك ثمة مشكلة بحثية يتطلب الولوج فيها ، برؤى علمية فلسفية شاملة لحقول متعددة، في الكشف والتحليل والتفسير والتأويل وانتاج المعاني والروابط والعلاقات والدلالات والحقائق والابتكارات ، وهو صيغة متفردة غير متكررة، تشهر وتلوح بما هو جديد، نحو الخلق والاكتشاف، وعلينا ان نحسن اختيار العنوان بما يحقق الهدف المطلوب ،وان نحسن الصياغة في تركيب المفردات، وان نتوخى الدقة في القصد والتعبير، وان يحمل العنوان ثقلا معرفيا علميا فلسفيا، ودالا عن قضية هامة جديرة بالبحث والتنقيب والتحقيق والاكتشاف، مع مراعاة عدم الخوض في عناوين ركيكة، ومقحمة بعبارات غير مترابطة، والحذر الشديد من التكرار والاجترار لما تم بحثه ودراسته سابقا، ما عدا رغبة البعض من الباحثين في اختيار عناوين مشابه، لغرض خلق الجديد في زاوية او محور او عنصر معين، يعتقده الباحث انه لم يشار اليه، والباحث الماهر، ذلك الذي يطلع على المصادر، في الداخل والخارج، وعلى الكثير من الدراسات المهمة والتقنيات الحديثة في الكتابة، وطرق مناهج البحث العلمي والتحليل والتحقيق واظهار النتائج ، مع تحديد مستوى التفاعل معها ايجابيا ، وكثير من العناوين والمواضيع المهمة، سجلت في الوقائع العلمية كمصادر ومراجع مهمة في المكتبات العلمية والمعرفية والثقافية والفنية، وبما ينظر اليها بمعان عليا من الاكباروالاهتمام، ولاجل ان يتم استثمار قيمة هذه الدراسات والبحوث المختلفة في الحقول العملية، ،علينا تشريع السياقات الاصولية للتفاعل الحيوي بين الحقلين المعرفي والميداني، وكذلك السعي لتحسين وتحريك المنظومات الفكرية والمعرفية، بالمستوى الذي يعظم قدرات البلد العملية في المجالات كافة، ومواكبة التطورات الحديثة الجارية في مؤسسات دول العالم، َونرى من الضرورة، ان يكون لكل حقل او قطاع مهني و حرفي، مركز ابحاث متخصص، يلعب دورا وسيطا بين القطاع الميداني العملي وبين الجامعات وبكل حسب الاختصاص، مع حسن الانتقاء للمفيد والمميز المتقدم من الدراسات والبحوث، وليس غريبا ان تطلع وزارة (س) مثلا، على النوعية المتقدمة المتميزة من البحوث والدراسات العليا في الجامعات، للاستفادة منها في الميدان الحقلي التطبيقي لمؤسساتها وتفعيل الافكار والتجارب والابتكارات الواردة من الحقل المعرفي ، وهكذا لبقية الاختصاصات والحقول ،
ومن السياقات التعليمية السائدة في الاقسام العلمية للدراسات العليا في اغلب الاختصاصات،ان هناك مخططا يتم وضعه مسبقا من قبل لجنة خبراء علمية، تكلف بوضع اتجاهات علمية معرفية محددة، لحاجة القسم العلمي لهكذا نوع من البحوث والدراسات، مع الاخذ بعين الاهتمام رغبة الباحث ومبادرته في اختياره لموضوع ما، قد احبه واعجب به، خصوصا اذا كانت الكتابة بوعي متقدم، مع المام واسع بالمعرفة المتعددة المصادروالمحيطة بموضوع الدراسة او البحث، مع توخي الجرأة في الانتقاء وابداء الرأي وتحديد القناعة بالافكار، مع القدرة على بيان رفض بعض المفاهيم والافكار والتجارب التي لا تتلائم مع فلسفة الدراسة، وبمسوغات علمية دامغه ،وهذا جزء من طموحات القسم العلمي الطامح نحو الارقى، ولكن، احيانا لن تأتي نسب الانجاز متوافقة مع مستوى التخطيط، لهذا نجد ان بعض العناوين المختارة لدراسة الماجستير او الدكتوراة لا تحمل (هما) كبيرا، علميا، بحثيا، معرفيا، بامكانه حل مشكلات عالقة في حقل الميدان التطبيقي الذي يبحث فيه، مما نجد العديد من امثاله ماكثا في رفوف المكتبات بعيدا عن الحقول العملية ،
وهنا تبرز مشكلة لابد من الوقوف عندها، وهي، كيف نحدد عنوان الموضوع في بحوثنا، وما هي الحاجة اليه، وما هو حجم وسعة المساحة المعرفية العلمية التي يتحرك بها البحث، ومن هي المواضيع والقضايا التي تليق او تناسب مستوى الدكتوراة او الماجستير او البحث في مجلة معينة ، وكيف يتم التفريق بينهما وعلى وفق اية معايير؟ ذلك ما يجعلنا ان نعرف حدود المساحة المعرفية البحثية التي تدور بها المحاورالمنهجية في التناول والتنظير والتحليل والاستنتاج والافتراض والتطبيقات وغيرها،وذلك ايضا ما يدفعنا الى الاشارة، الى انه، ليست كل العناوين المصاغة بحثيا لمواضيع تصلح لمستوى دراسة الدكتوراه او الماجستير، فالدراسات العلمية المتقدمة عليها مسؤولية الخلق والابتكار والاكتشاف وبأطر فلسفية،تحقق الدهشة،والانجاز العلمي الجديد،
ولا حدود لمساحة البحث العلمي الذي يتناوله البعض من الافكارالمهمة، والقضايا التي تستحق البحث فيها، وهذه المساحة المعرفية العلمية البحثية لن تتقيد بزاوية ما او محور ما، ولن تكتفي بما وصلت اليه صفحات الكتابة، وهذا ما يعتمد على التصميم المنهجي الدقيق للبحث العلمي بما يتضمن من محاور ومباحث وفصول،. فضلا عن مهارة الباحث في التنقيب والاطلاع على حيثيات وعلاقات وممكنات وفرضيات وتجارب ومقاربات، وما الى ذلك من حفر في مناطق قريبة وبعيدة عن بيئة البحث واجواءه، ولكن، هنالك عناوين لمواضيع يختارها بعض الباحثين، يخوضوا فيها، مع درايتهم المسبقة، انهم( اجلا ام عاجلا) سيتوصلوا الى نتائح مطابقة دون ادنى اعاقة، وهذا تحقيق جاهز لهدف واضح لا يتطلب الا الاجراءات الروتينية المعمول بها، وهنا لن يكون الباحث قد توصل الى ما يمكن ان نسميه اكتشافا غير مسبوق، وهناك بعض المواضيع والعناوين، يتبناها بعض الباحثين، لن تتعدى مساحتها المعرفية في الكتابة الا بحدود مقال ، وما نجده من جدوى معرفية في المقال، هي ذات الاسطرالقليلة الصغيرة التي خرج بها الباحث في رسالته التي كتبت ب ١٥٠ صفحة على الاقل، وما اغرب الحال عندما يتناول باحث في مستوى دكتوراه موضوعا، لن يتعدى حدوده ومساحته الا بمستوى بحث في مجلة محكمة، لن يتجاوز ال ٢٠ او ٣٠ ورقة على الاكثر.،، بالمقابل هنالك المقال الموسع الذي يتصدى لذات الموضوع ويعلن عن التوصل الى نتائج فائقة الاكتفاء مع خالص القناعة العلمية دون عناء في الاطالة والاسهاب، فمثلا، نجد في الحقول المعرفية في الثقافة والاداب والفنون والاعلام والادارة، بعض العناوين التي تتناول مواضيع نظرية في السينما والرسم والنحت والتصميم والعمارة والتلفزيون والمسرح و الاداب و الاعلام وغيرها ،قلنا بعضها، تتناول مواضيع لن تتعدى حدود المصطلح الواحد، وما يسمح لهذا المصطلح من فعالية الاشتغال في الحقل الادبي او الفني او الاعلامي ، كالايحاءوالاضمار والانزياح والاستعارة والتناص والبلاغة والاستجابة والتأثير والرمزوغيرها، كم نحن بحاجة الى دراسة تبحث في صلب المشكلات الحقيقية التي يواجهها الانتاج التلفزيوني والسينمائي، اودراسة المعضلات الحقيقية التي يواجهها الشباب الان، وما هي الاخطار الجسيمة التي طالت الشباب والفتيات جراء وسائل التواصل الاليكتروني، او نبحث في السبل الكفيلة لتطويرنظام تعليم اللغات الاجنبية في الجامعات او كيف نجعل الناس يتحثون لغاتا اخرى ونتمنى ان تذهب بعض الدراسات الى قطاع التخطيط والبحث في خلق نظريات واساليب وتقنيات حديثة متطورة في وضع الخطط الناهضة بميادين الحياة كافة باسلوب علمي مبرمج وبحسابات دقيقة ومنظمة ونبحث ايضا بمخططات كيف نصمم المدن والمباني والاسواق والشوارع والساحات وكيف نخلق الفضاءات ، اوفي المجال العلمي، نبحث في العلوم المتقدمة في التكنولوجيا التي تنهض بقدرات ميادين متعددة في الحياة ، منها، مثلا كيف يتم تطوير الصناعة في البلاد وغيرها في الطب والهندسة والعلوم المتعددة والفضاء والبيئة والعديد من الميادين، بمعنى ان نذهب الى مواضيع تهتم بما يعانيه القطاع العملي من مشكلات وركود ، فلا يسرنا (عنوان) اطروحة دكتوراه يتناول مصطلحا واحدا وزاوية واحدة وخالية من العمق الفلسفي،وبعيدا عن الحقل التطبيقي العملي، بل ويقتصرعلى المستوى المحدود من المساحة البحثية، ولن تقترب من المخطط المعرفي التعليمي، وخال من الاكتشاف،والثراء الفلسفي،ونادرا ما يتم اعتماده مصدرا معرفيا مقبولا، بل ومصيره رفوف المكتبات لا اكثر ،وهذا ما يدعوا الى التراجع والانكفاء في الحقل المعرفي . واذا ما فات على البعض من الباحثين فرصة التميز والاكتشاف وتسجيل الرقم القياسي في دراساتهم، فأملنا كبير باجيالنا الناهضة من الباحثين المتفوقين في خلق ما هو اكثر حداثة، واكثر عمقا، واكتشافا، ولهذا نرى ان الاختيار الصائب والحكيم لعنوان رسائلنا واطاريحنا ودراساتنا كافة هو التاسيس الراسخ لبنية المنظومة الفكرية والمعرفية والعلمية والفلسفية لمجمل حقولنا المتداولة في الحياة،الباحثة عن التطور والتجديد والابتكار.نحن ندعوا الى دراسات متقدمة فاعلة في الحياة وتسعى الى تنميتها وتطويرها ومواكبة العصر الحديث…