*كلما رأيت إليه، وجدته يتمتم بما لا اعرف من الادعية والاسرار، يقترب من البسطامي، ليعرف سر هذه العوالم التي اخترقت لب المعارف الرباني، وحين يشعر بالوحشة، والارتباك، يرتحل حيث الحلاج، الذي يصرخ متوجعاً ، وهو يملأ رئتي الكون بنداءه.. أنا الله.. يتامل البصري المتفحص قدراته على هدوء والترقب والامتنان، ليجد في الصراخ وجعاً لايوصل الى الغايات، يتحدث بوجد عن متصوفة بغداد، وخياراتهم التي تشعبت حتى صارت صنو الاختلاف، من خلال هذه المقومات المعرفية، جلس البصري الجواب لمدن الاسئلة، ليدون اول محاولات السرد، كانت صورة السرد البصري، لا يمكن ان تتخلص من هيمنات محمد خضير النصية، ثمة سحر اصاب جميع جيل الثمانينيات وما تلاهم، تقرأ لتكتشف المسار، وتلاحق حيثيات السرد وثيمه لتجد وقوع الفكرة على الفكرة ، والرسم الصوري على اخر مشابه، وحكايات البصرة اعطت انطباعاً ان شيئية محمد خضير هي المنطلق الأول، والمحج الذي لابد من تأدية فرائض الاعجاب والتأثر، وهذه ليست مثلبة، ولا اعدها عيباً سردياً ، ولكن الامر يحتاج الى محركات سردية مغايرة، كان وجود محمود عبد الوهاب مساعداً، مثلما هو وجود مهدي عيسى الصقر، لكن المفاهيم تلاقحت دون ان تنتج ابتكاراً لنص بصري مغاير، مع البياض تعامل باسم الشريف بحذر، وريبة ايضاًْ، يود البقاء عند شفيع محمد خضير وارجوحته، لكنه يتمنى لو افلت قليلاً، لو انه وجد محطة اختلاف لاخلاف ليصل اليها، راح يبحث بين طيات السرديات العربية والعالمية، يقرأ بنهم الباحث عن معرفة خلاص، لا عن متعة متلق يتقبل كل ما يقع بين يديه، ببطء يشبه الركود، حاول باسم الشريف، دون ان يعلن ذلك ، الخلط بين مكونات المدرسة البصرية السردية، وتلك اللغة التي يدونها المتصوفة، لتخرق جدران الحكمة وتظل صافية مثل ماء زلال، عند حدود الاشتغالات السردية القصيرة نجح باسم الشريفْ بأن يمشي بهدوء خطواته مع وحشة طريق وقلة سالكين، يدون ما يريد وهو يتأمل الجمع الذي انتمى اليه وجدانيا، شخوص السارد غريبة عن الذات التي لاتعرف كيف تفك مغاليقها وتنثر اسرارها، كان الشريف يختار المالوف الحكائي الاجتماعي لكنه وعن عمد يابسه ثياب سرد مغايره، تبدو ثيم سرديات باسم الشريف تسير على خط مستقيم واضح الدلالات، هو سارد لايحب الاعتام، والتشظي اللغوي غير المعني بايصال الاحداث وشفراتها، وضوح معانية ودقة خياراته المعرفية، جعلاه يبطء السير، يتأخر كثيراً عند الأسئلة التي افسدت الحياة، ولكنه وهذا واحد من اسرار سردياته لايقبل التبني، وبهمل المتبنيات بل ويرفضها بقوة فعل تأخذ المتلقي الى غايات ومقاصد اشتغالية عالية الجمال، البطء ومشاغل النفس وضغوط الحياة ومتاعبها، جعلت باسم شريف يهمل لايام ولربما لشهور ضغوطات السرد على وجوده، يظل يعجن طحين الافكار، وحين ينضج الوقت، يتوقف تاركاً كل ما تعب فيه وصنعه باتقان الى مهب الريح، بائع افكار لو ابقاها بين ملفات اشتغالاته لكانت السردية البصرية، بل والعراقية على غير ماهي عليه، روح باسم شريف الابداعية، وهموم ايامه وقهر الحياة جعلاه يتأرجح، عند بوابات النقدية العراقية، تقبله لمرة، وتشير اليه برضا، وقبول، لكنها ماتلبث ان تهمله لاشهر وربما لسنوات، ولكن سرديات الشريف حفرت لها مكاناً خاصاً في وجدانيات السردية العراقية، ومنحت المتلقي فرصة لقبوله واعتباره ارثا جمالياً جمعياً
(مات باسم الشريف بعد ان ارسل لي اغلفة كتبه وتحدثنا طويلاً عن الادب ومغرياته.. واليوم اكمل ما بدأت ، علامة ترسيخ لوجود ابداعي جمالي مهم).