*الزمن علمه أن يكون أعمق وأدق من الهدوء، يتأمل المكونات الأرثية رغم ضجيج الأمكنة بعينين متفحصتين، يريدان سبر اغوار المجهول الأرثي، الأجتماعي منه على الاخص، هو معني بهموم وأحلام من وجد روحه تطوف حول كعبة الفقر مثلهم، يتوسد الصمت،ويمنح شارات القبول لحظة يرى ما يقصده ويريده، اكتشف الكتاب اولاً ومان الاكتشاف، أول تحولات العقل والسؤال معاً ومع هذا الوعي المبكر، اقتعد عبد الستار البيضاني، قاع الأجابات، سهام الأسئلة التي يطلقها، تحتاج الى ردود افعال عنيفة وقوية، لكنها لا تماري الصخب، ولا تحبذ السير معه، هذا المكتشف اوصله سريعاً الى المقاصد، لحظتها قرر ان يكون حكاءاً مغايراً، مع سؤال محير.. من أين تكون البدايات؟
يحمل اوهامه يريد اجتياز عوالم السر القصير العراقي الذي ما انفتق كيس عظمته امامه بعد، وما ان يجد الدرب، حتى يتقمص شخصية ذاك الفيلسوف، الذي حمل مصباحاً وراح يصرخ، وجدتها؟
وجد البيضاني، الحذر، الدقيق الخطوات العوالم التي كان يبحث عنها، وقف متأملاً تجارب الجيل الخمسيني واولهم عبد الملك نوري، وصاحبه الوديع فؤاد التكرلي، السارد الذي يتأمل هاتين التجربتين، يكتشف ، كيف للواقع حين يصاغ جمالياً، ان يكون سرديات مؤثرة وعميقة، ابهرت البيضاني تجارب التكرلي السردية، حتى راح يبحث عنه، وحين التقاه.. اعلن بفرح.. وسرور.. وقد تخلى عن بعض الهدوء، معلمي اريد ان اكون تحت معطفك.. انت الذي ارغب ان اكون مثله، املي ان اصل الى التنور.. والعيون الخضر.. !!
تمتد الرؤيا امام عبد الستار البيضاني، الذي أخذته الحروب الى خضم ارتباكاته، كان يقرأ ليل البصرة، على غير ما يعرفه الباقين، ويدون جنون الحرب، وعواصفها، فجأة دارت به الايام لتضعه عند الأمتحان الصعب، الى اين يكون الاتجاه؟
وكيف يمكن الأبقاء على افعال الموت دون الولوج الى لعبة التمجيد، حين دفعنا الاسى والخرافة، وربما التحديات الى اصدار اصوات عالية، كانت مسرودات البيضاني مغايرة تماماً، منح الارث مباحث عميقة ودالة، شخوصه السردية، تعيش محنة الاضطراب، لكنها ترفض الامتحان، الأزمات الروحية هي الثيم القيمية التي يشتغل عليها ومن اجلها البيضاني، ظلت الحرب والثانية منها على الادق، تشكل هاجسا سردياً دونه في لجوءه العاطفي، قسوة اللغة التي لاتريد الانثيال، هي التي اعطت البيضاني، فسح للتعلم واجتياز مثالب السرد، رسم الحيثيات بروح المتمرد، برغم عدم رغبة البيضاني بالتمرد ، وما كان يفضل الاندفاع صوب ماهو عابث وغير فاعل، التجارب العميقة، والمتفحصة، والمدققة في كيفيات الاشتغال السردي الذي يروم البقاء، والتحول الى متبنيات ثابتة في مكونات العقل الجمعي، هي التي منحت البيضاني، اشارات التميز، مع تكاسل وتراجعات نفسية حاصرته حتى كاد نسيان السرد واوجاعه ومسراته، البيضاني يفكر بهدوء، وهذا التفكير يدفعه الى المماطلة، والشطب، ربما لانه اكثر ابناء جيله انتماءا الى الصحافة وتوازناتها، ولربما غياب التوازنات النفسية التي يحتاجها السارد من اجل السيطرة على فواعل شخوصه، ودقة ادارة الاحداث، حوارات البيضاني في سردياته القصيرة، والطويلة، تتوافر على دراية عالية بالفعل الدرامي الصوري، ذلك لان البيضاني، تعامل مع السينما واتقن فنونها الصورية وكيفيات خلق المعاني الصورية داخل الحدث الاساس، لهذا يجد المتلقي، ان الازمة المعرفية الكبرى، هي التي تضعه والشخوص داخل بوتقة واحدة، وتطالبه بالأنفلات او الانتماء، وكثيراً ما يكون القبول والرضا والتبني هو الاختيار الاهم لدى المتلقي، ماالذي يدفع البيضاني، الى هذا المزج ،، اهي الضرورات المشهدية الادهاشية والتسويقية، ام هي محاولة نكث العهد مع التكرلي والخروج من معطفه التأثيري الصعب التخلص منه؟
الواقع المقهور، لا يمنح السارد الفاحص، المؤرخ، سوى سرديات مقهورة، مدججة بالارتباك والفوضى في مرات عدة، هو الواقع الذي صير السارد تابعاً، يمنحه ما هو خارج المألوف الأنساني مطالباً اياه بأن يعيد البناء ومهام التشويق والمقاصد، مرة قلت.. ان اعظم ما تصير عليه السرديات العراقية انها تحل محل الزيف الذي يمارسه كتاب التواريخ باوامر حكومية، ستكون هذه السرديات، هي الاهم في القراءات المؤجلة لسنوات قادمةْ، البيضاني رغم وجوده الفاعل بيننا الا انه ميال لان يتحول الى صانع ارثي للسرديات الحكائية المدونة لكل اشكاليات الأيام وخراباتها، وفطنة البيضاني، وقبوله بالسير بطيئا هي التي منحت النقدية العراقية والعربية، فرصة قراءات لكبار النقاد الفاعلين، رسخته بقوة حتى صار معلماً واضحاً من معالم السرد العراقي المعاصر!!