*في الظن، أن الروح هي التي تشخص الكيفية التي ستكون عليها الخيارات الاتية من عمق لايستطيع سوى العارف سبر اغواره، والولوج الى عوالم خياراته، الصبي الذي ضمته القرى القصية في ارض سومر كان يلاحق الحناجر التي تفيض نواحاً لسبب او لدونه، تقعد الخطوات عند حواف الطين، لترسم بعذوبة وجودها، مواجيد العشاق وعذابات الفراق والفرقة معاً، كان الصبي يتباهى عن عمد، ان الهبة الشاسعة، منحته حنجرة من كرستال القصب، ونغمتها بنايات الجنوب، لم يك بعد قد فقه معاني ان تكون الحنجرة اداة لتجسيد الامال، والمخاوف، وتجر الى سواتر المجهول، يغني اينما كانت روحه ترفرف، يجول في عوالم الحكي التي مايلبث ان يحولها الى قص نغمي، يتوافر على سمات درامية، يتلو الصراع ثم يضع ازاءه صراعاً اخر، يضيء القلب، ليتوهج بالاسئلة، الخطوات ذاتها قادت عزيز خيون ، الى مدن لم يكتشفها من قبل، ومراحل ما كانت لتعاش لولا تلك التنقلات الابوية التي منحته فرص للتأمل، حتى صار التأمل خاصة محمودة فيه، اكتشف خيون، ان السعات القصبية ، تجاورها اختلافات في المعارف والفنون، والسرد، صعد المنبر الحسيني ذات عزاء، فشد الارواح المقتولة كمداً إليه، ومنها عرف اسخيلوس، وادمن القراءات، وصار الولد يبحث عن ادواة تعبير اكثر تأثير وفاعليه، ولحيظة قرر دراسة المسرح، جاء الى اضواء العاصمة، ليتفحص معالم البهاء فيها، تسحره الأمكنة التي تصنع جمالاً، وتعطيه دفقات من مودة الروح وطمأنينتها، يرسم الواناً من الحكايات، التي يجد نفسه وسط حركاتها المدروسة بأتقان، ويتفحص الثيم التي قد تضعف الاحداث، او توقف جريانها، لهذا امر نفسه ، بشدة الغاضب ان يقرأ مابين يديه بكله، لايعزل او ينصف او يشظي، هو يؤمن بالكل الفاعل، وبالكل المشارك، وبالكل المؤثر، ما كان المسرح لديه يوماً، اداة للشهرة والاشتهار، بل تحول الى هم ينمي الذائقة، ويجرها الى مساحات فهمية، اكثر رقياً، والين على الروح، وتلك مهمة ظلت لصيقة به، حتى بعد ان تحول الولد الى معلم، تنظره المباصر بحسد الخبرة ، وقوة الملاحظة والاداء، لم يرض عزيز خيون، ان يظل مجرد ظاهرة صوتية، يعشق صوته، ويحاول تدجينه في حضن الجمال، لكنه يهتم باشتغالاته الرسالية الاخرى، يتقن فحص المسافات بين وجوده، الانساني، ووجود وابعاد الشخصية المجسدة، هو اقرب الى المسرح، لذا تعلم الفحوصات في التلفاز والاذاعة والسينما، ومن خلال ذاك الحضور، بان عزيز خيون، على غير عمومة، في كل ما جسد، عراقياً وعربياً، تسبق فحوصاته ورغباته، لحظات التدريب، ثم التجسيد ، لهذا يصاحبه القلق، ولايستكين قط، يتفحص الموجودات، يراجع لواعج اعماقه، يبحث عن مخلص روحي للشخصية المجسدة، تراكاً ذاته بكليتها لتنصهر مع الذات النابقة بين ثناياه، ولانه مسرور بهذا الاكتشاف الفعل، يجدد انتماءات التجسيد، مانحاً الشخصية وجودها الجمعي، لايرغب عزيز خيون، بان تظل شخصيته المجسدة، معزولة عن الافعال العامة، والثم الجمعية، مهما كانت هذه الشخصية قوية ومؤثرة وتستطيع اشغال حيزها في الفضاء التجسيدي الفاعل، كيف استطاع عزيز خيون، اتقان هذه اللعبة البهيجة، والتي فشل الكثير من اساتذته ومجايليه وما بعدهم، من الوصول الى كنهها الاعترافي؟
اهو الانتماء الروحي الخالص لفن التجسيد؟
(منذ زمن لا احب مخاطبة المتلقي بالممثل لاني موقن تماماً ، ان الممثل صانع قوالب من عمدياته وهي قوالب غير مستقرة، وتتلاعب فيها رغباته ورغبات النص وتوابعه، فيما يعمل المجسد على استكاه كل المحركات الجمالية والنفسية، ليقدم شخصية عرف حدود تفاعلاتها وعرفته، واستطاع تخليصها من الابقاء كفكرة مساهمة خارجية، يعيش التجسيد داخل الذات فيما يظل التمثيل خارجها يمكن ازالته في اي لحظة يشاء الفنان او المتلقي) ام ثمة عشق تعلمه عزيز خيون، من ذوات التصوف المجرب،؟
هو اقرب الى العرفاني، اقرب الى المدهوش بالاكتشاف،حين يبدأ كأنه يبدأ لأول مره، لا مرة ثانية في مسيرته، هو دائماً يجدذاته وقد اختارت الخيار المعرفي الأول، لهذا ظل يبهر متلقيه، ويمنحهم صفاء الافكار ومساحات الرؤيا، مهتماً بكل الادوات التعبيرية المساعدة، الاضاءات، الديكورات، و الافعال السلوكية والاسلوبية لممثليه، تلك محنة لدى الآخر الذي يجد ان ثمة الكثير من الصعوبة في التعامل مع عزيز خيون مخرجاً وممثلاً، ولانه مسكون بالقلق اسس مشغل بغداد الاحترافي، اراده مدرسة تقنية معرفية مغايرة، لاتشبه ما يمكن ان يصادف المتلقي في الجماليات الفنية المسرحية المجازرة، شكلت لديه تلك التجربة التي ما استقرت بعد، هماً يتفحص من خلاله اليات التأثير الانساني بكامله، يمحو تجربة، ثم يعاود صناعة تجربة موازية، يقرأ الكون المعرفي متأثراً بالكثير من التجارب الضاجة في العالم، لكنه يرفض الاستنساخ، يحاول ايجاد نسخة خيونية، واضحة الدلالات والشفرات، والارتماء في عمق التكوين، تلك تجربة قاسية وقلقة، وهموم تراقب ذات عزيز خيون، وتعطيه دفقاً، يحاول في مرات تجاوز ذاته الى ذات دفينة بين اطماره، هي الذات الشعرية، التي تتأرجح بين وجود وغياب، وقبول ورفض، غلبت التجسيديات على وجود عزيز خيون كله، ولم يقدر قط على الرجوع او التراجع، ظلت خشبة المسرح هي الاشمل، والارقى، والأكثر ابهاراً، وبقيت كل الاشتغالات مجرد حواف وشطآن وجروف، لنهر صاخب، اسمه عزيز خيون!!