*اجتياز الصحارى لعبة، لايتقنها الا اولئك الذين خبروا احلامهم بردود افعال، قد تصل الى حد القسوة، لان ثمة نسيان ابدي للدروب، ومحو للطرقات، وانبثاق باهرلنظرات الهداية، تلك هي صحبة النجوم، وتحركاتها، والغرض اكتشاف مكنونات الوصول وغاياته، تلك كانت مهمة حامدفاضل.. المدني السلوك، صحراوي الارث، هو وحده من هتك اسرار تلك المفازاة الموحشة، وخبر عوالمها وملامح حبورها وقسوتها، لم ترق له حياة السماوة كثيراًْ وما الف الهجرة وعذاباتها، فحط رحاله عند هم ماعرفه السرد العراقي، بهذا العمق والدقةْ ربما يكون قد تأثر بتجارب ابراهيم الكوني، الصحراوية هي الاخرى، وربما يكون الارث العميق الذي يحرك مداركه هو الذي دفعه الى سؤال الابدية، الذي ظل مكسور الجناح، غير قادر على لف العقول بمكنونه، انطلق حامد فاضل، قبل دخوله عالم السرد الطويل، من خلال سرديات قصيرة، كانت تتخذ من الهم اليومي، الراكد في بيوت اهل السماوة وازقتها، مساراً تدوينياً، جذبت انظار المتلقي اليه، حتى اصبح معلماً من معالم القص الثمانيني، ومن خلال تلك الوثبة الاكتشافية، امعن النظر في حياة مغلقة، غير بعيدة عنه، مذ كان صبياً ، كانت يتأمل الافواه التي تسرد تلك القواهر المخيفة، سرقة الارواح، ودقة التنقل، وخطوط اتخذتها الخطوات دليلاً منذ مئات السنوات، من اجل الوصول الى ارض نجد والحجاز، يوهمه الليل، قبل ان يغمض عينيه، ان تلك المساحات الشاسعة، لايمكن ان تعيد الداخل عوالمها سالماً، ثمة الكثير من الطناطل والعفاريت، ومساكن الجان، بين البحر بعمق اسرارة والصحارى بعمق قسوتها، اكثر من وشيجة ، تشدهما معاً الى كوامن الغموض، المشوب بالقلق ، والخوف، والارتباك، بدأ حامد فاضل.. يدون بهدوء، ما كان يملأذاكرته، يفرغ حكاياه على البياض، ليعاود التدوين، مساحات يراها امامه غير مشغولة بعد، لذا اطلق لروحه عنانها، فسحرتها السرديات، التي مازجت بين الواقع المرتبك، البائس، وتلك المغامرات التي اقتربت كثيراً من الواقعية السحرية، داخل سرديات حامد فاضل، لكل شيء تاريخ، ولكل خطوة رواية، ولكل ذرة رمل تدوين عجائبي ينافس الخيال بل ويتغلب عليه في مرات كثيره، تلك المهمة الغير مسبوقه، وضعت السارد عند مفترق طرق، يقول عنها، ماركيز،( ان بناء مدينة متخيلة يعطي العقل فسحة من التخيل والخلق واعادة التكوينِ) كل ما تحصده المخيلة، يدونه البياض، ليغدو فيما بعد واقعاً افتراضياً يتوافر على الادهاش والابهار، والاهم من هذا يصبح موجز معرفي لحياة سرية، كانت قبل مجيء السارد، محض حكايات لا تصدق، وجنون مغامر، تعتمد السرديات المنحزة على المكونات الافتراضية، التي تعيش لتروي، تعيش لتشيد معالم خاصة بها، وهذا ما كان حامد فاضل يصبو اليه، تميزه السردي، داخل حرائق سردية عراقية وعربية، وهذا ما كان له، رغم الاهمال غير المقصود للنقدية العراقية، التي لم تقرأ تجربة السارد جيداً، وان تابعه البعض فبحذر وعروض بسيطة خالية من عمق التحليل، واشتغالاته الدلالية وتأثير مرموزاته في العمق الجمعي المتلقي، تنمو تلك السرديات بهدوء، واظنها ستصل الى فعلها التأثيري العميق ذات يوم، مادام حامد فاضل مصراً على النبش، والتدقيق، وبناء مشيدات سردية تختلف من واحدة الى اخرى، مشيدات لا تنتمي الى السائد المألوف، ولا ترفضه ايضاً، عمق تحليل، وفهم نفسي لمسار الشخوص، ودربة واضحة في تحريك الزمان والمكان، كل هذا مصحوب لغة سردية تقترب من الشعر احياناً، لكنها لا تنغمس فيه، شذب خشونة الصحراء، واعطى شخوصها رقة، وابعدها قدر ما استطاع عن القسوة القصدية، جعل من تلك المسافات المجهولة، مدناً باذخة الفعل، تمنحنا رضاها، ونمنحها القبول، واعتمادها كأرث وجداني كان ينقصنا منه الشيء الكثير!!