مجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا … وقضيْتُ فَرضاً للنوابغِ واجِبا
بالمُبدعينَ ” الخالقينَ ” تنوَّرَتْ … شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا
شرفاً ” عميدَ الدارِ ” عليا رُتبةٍ … بُوِّئْتَها في الخالدين مراتبا
جازَتْكَ عَن تَعَبِ الفؤادِ ، فلم يكن … تعبُ الدماغ يَهُمُّ شهماً ناصبا
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائصاً … تعيا العقولُ بحلِّها . وغرائبا
مُدَّتْ لرفعِ الأنضلينَ مَكانةً … وهوتْ لصفعِ الأعدلينَ مَطالبا
ومضَتْ تُحرِّرُ ألفَ ألفِ مقالةٍ … في كيفَ يحترمونَ جيلاً واثبا
في حين تُرهِقُ بالتعنّتِ شاعراً … يَهدي مَواطنَهُ ، وتُزِهق كاتبا
” التَيْمِسيّونَ ” الَّذين تناهبوا … هذي البلاد حبائباً وأقاربا
والمغدِقونَ على ” البياضِ ” نعيمَهُمْ … حَضْنَ الطيورِ الرائماتِ زواغبا
يَستصرخونَ على الشّعُوب لُصوصَها … في حينَ يَحتجزونَ لِصّاً ساربا
ويُجَنِّبونَ الكلب وَخزةَ واخزٍ … ويجَهِّزُونَ على الجُموعِ معاطِبا
أُلاءِ ” هاشمُ ” مَنْ أروكَ بساعةٍ … يصحو الضميرُ بها ضميراً ثائبا
فاحمَدْهُمُ أن قد أقاموا جانباً … واذمُمْهُمُ أن قد أمالوا جانبا
وتحرَّسَّنْ أنْ يقتضوكَ ثوابَها … وتوقَّ هذا ” الصيرفيَّ ” الحاسبا
لله درُّكَ أيُّ آسٍ مْنقذٍ … يُزجي إلى الداءِ الدواءَ كتائبا
سبعونَ عاماً جُلتَ في جَنَباتها … تبكي حريباً أو تُسامرُ واصبا
متحدَّياً حُكمَ الطباعَ ودافعاً … غَضَبَ السَّماءِ وللقضاءِ مُغالِبا
تتلمَّسُ ” النَّبَضاتِ ” تجري إثرّها … خلَجاتُ وجهِكَ راغباً أو راهبا
ومُشارِفٍ نَسَجَ الهَلاكُ ثيابَهُ … ألْبْستَهُ ثوبَ الحياةِ مُجاذبا
ومكابدٍ كَرْبَ المماتِ شركتَهُ … إذْ لم تَحِدْ منجىً – عناءاً كارِبا
ومحشَرجِ وقفَ الحِمامُ ببابهِ … فدفعتَهُ عنه فزُحزِحَ خائبا
كم رُحْتَ تُطلِعُ من نجومٍ تختفي … فينا وكم أعْلَيْتَ نجماً ثاقبا
هذا الشَّبابُ ومِن سَناكَ رفيفُهُ … مجدُ البلادِ بهِ يرفُّ ذوائبا
هذا الغِراسُ – وملُْ عينِكَ قرّةٌ … أنَّا قطفنا مِن جَناهُ أطايبا
هذا المَعينُ ، وقد أسلتَ نَميرَهُ … وجهُ الحياةِ به سيُصبْحُ عاشبا
هذي الاكُفُّ على الصدورِ نوازِلاً … مثلُ الغيوثِ على الزُّروغِ سواكبا
أوقفتَ للصَّرعى نهاراً دائبا … وسهِرْتَ ليلاً ” نابِغيّاً ” ناصبا
وحضَنْتَ هاتيكَ الأسِرَّةَ فوقَها … أُسْدٌ مُضَرَّجَةٌ تلوبُ لواغِبا
أرَجٌ من الذكرى يلفَّكَ عِطْرُهُ … ويَزيدُ جانبكَ المُوطَّد جانبا
ولأنتَ صُنْتَ الدارَ يومَ أباحها … باغٍ يُنازلُ في الكريهةِ طالبا
الْغَيُّ يُنْجِدُ بالرَصاصُ مُزَمْجِراً … والرّشدَ يَنجِدُ بالحجارةِ حاصبا
وَلأنتَ أثخَنْتَ الفؤادَ من الأسى … للمثُخَنينَ مِن الجراحِ تعاقُبا
أعراسُ مملكةٍ تُزَفُّ لمجدِها … غُررُ الشَّبابِ إلى التُرابِ كواكبا
الحْاضنينَ جِراحَهَمْ وكأنَّهمْ … يتَحَضَّنونَ خرائداً وكواعبا
والصابرينَ الواهبينَ نُفوسَهُمْ … والمُخجِلينَ بها الكريمَ الواهبا
غُرَفُ الجنانِ تضوَعَتْ جنَباتُها … بصديدِ هاتيكَ الجراح لواهبا
وبحَشْرجاتِ الذاهبينَ مُثيرةً … للقادمينَ مواكباً فمواكبا
غادي الحيا تلك القبورَ وإنْ غدت … بالنَّاضحاتِ من الدّماءِ عواشبا
وتعهَّد الكَفَنَ الخصيبَ بمثلهِ … وطنٌ سيَبْعَثُ كلَّ يومٍ خاضبا
بغدادُ كانَ المجدُ عندَكِ قَيْنَةً … تلهو ، وعُوداً يَستحثُّ الضَّاربا
وزِقاقَ خَمْرٍ تستَجِدُّ مَساحبا … وهَشيمَ رَيْحانِ يُذَرَّى جانبا
والجسرُ تمنحُهُ العيونُ من المَها … في الناسِبينَ وشائجاً ومناسِبا
الحَمدُ للتأريخِ حينَ تحوَّلَتْ … تلكَ المَرافِهُ فاستَحَلْنَ مَتاعبا
الشِّعْرُ أصبحَ وهو لُعْبةُ لاعبٍ … إنْ لمَ يَسِلْ ضَرَماً وجَمْراً لاهبا
والكأسُ عادتْ كأسَ موتٍ ينتشي … زاهي الشبابِ بها ، ويمسحُ شاربا
والجسرُ يفخرُ أنَّ فوقَ أديمهِ … جثثَ الضَّحايا قد تَرَكْنَ مساحبا
وعلى بريقِ الموتُ رُحْنَ سوافراً … بيضٌ كواعبُ ، يندفعنَ عصائبا
حدِّثْ عميدَ الدارِ كيفِ تبدَّلَت … بُؤَراً ، قِبابٌ كُنَّ أمسِ مَحارِبا
كيف أستحالَ المجدُ عاراً يتَّقَى … والمكرُماتُ من الرّجالِ مَعايبا
ولم استباحَ ” الوغدُ ” حُرمةَ من سَقى … هذي الديارَ دماً زكِيّاً سارِبا
إيهٍ ” عميدَ الدار ” كلُّ لئيمةٍ … لابُدَّ – واجدةٌ لئيماً صاحبا
ولكلِّ ” فاحشةِ ” المَتاع دَميمةٍ … سُوقٌ تُتيحُ لها دَميماً راغبا
ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً … منَّا ، وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا
فتعهَّدوهُ ، فراحَ طوعَ بَنانِهمْ … يَبْرُونَ أنياباً له ومَخالبا
أعَرَفتَ مملكةً يُباحُ ” شهيدُها ” … للخائنينَ الخادمينَ أجانبا
مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ … ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا
مُتَنمّرينَ يُنَصّبونَ صُدورهُمْ … مِثْلَ السّباعِ ضَراوةً وتَكالُبا
حتى إذا جَدَّتْ وغىً وتضرَّمَتْ … نارٌ تلُفُّ أباعِداً وأقارِبا
لَزِموا جُحورَهُمُ وطارَ حليمُهُمْ … ذُعْراً ، وبُدِّلَتِ الأسودُ أرانبا
إيهٍ ” عميدَ الدار ” شكوى صاحبٍ … طفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا
خُبِّرْتُ أنَّكَ لستَ تبرحُ سائلاً … عنّي ، تُناشدُ ذاهباً ، أو آيِبا
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ ” نجم ” ساطعٌ … ملءُ العيونِ ، عن المحافل غائبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا … وضَحُ ” الصَّباح ” عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ … مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً
أُنبيكَ عن شرِّ الطّغامِ مَفاجراً … ومَفاخراً ، ومساعياً ومكاسبا
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنَّهُ … لو نالَ من دَمِهِمْ لكانَ الشَّاربا
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها … حقَرَتْهم حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً … منهمْ تَمُجُ سمومَها .. وعقاربا
شَلَّتْ يدُ المستعمرينَ وفرضُها … هذي العُلوقَ على الدّماءِ ضرائبا
ألقى إليهمْ وِزْرَهُ فتحمَّلوا … أثقالَهُ حَمْلَ ” الثيّابِ ” مشاجبا
واذابَهُمْ في ” المُوبقاتِ ” فأصبحوا … منها فُجوراً في فجورٍ ذائباً
يتَمَهَّلُ الباغي عواقبَ بَغْيِهِ … وتراهُمُ يَستعجلونَ عواقبا
حتى كأنَّ مصايراً محتومةً … سُوداً تُنيلُهُمُ مُنىً ورَغائبا
قد قلتُ لِلشَّاكينَ أنَّ ” عصابةً ” … غصَبَتْ حقوقَ الأكثرينَ تَلاعُبا:
ليتَ ” المواليَ ” يغصبونَ بأمرِهِمْ … بل ليتَهم يترَسَّمونَ ” الغاصبا “
فيُهادِنون شهامةً ورجولةً … ويُحاربونَ ” عقائداً ” ومذاهبا
أُنيبكَ عن شرِّ الطّغام نكايةً … بالمؤثرينَ ضميرَهمْ والواجبا
لقَدِ ابتُلُوا بي صاعقاً مُتَلهِّباً … وَقَد ابتُلِيتُ بهمْ جَهاماً كاذبا
حشَدوا عليَّ المُغرِياتِ مُسيلةً … صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا
بالكأسِ يَقْرَعُها نديمٌ مالثاً … بالوعدِ منها الحافَتَيْنَ وقاطبا
وبتلكُمُ الخَلَواتِ تُمْسَخُ عندَها … تُلْعُ الرِّقابِ من الظّباءِ ثعالبا
وبأنْ أروحَ ضحىً وزيراً مثلَما … أصبحتُ عن أمْرٍ بليلٍ نائبا
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري … سقطَ المَّتاع ، وأنْ أبيعَ مواهبا
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ … أسمنتُ نحراً عندهَ وترائبا
حتى إذا عجَموا قناةً مُرَّةً … شوكاءَ ، تُدمي مَن أتاها حاطبا
واستيأسوُا منها ، ومن مُتخشِّبٍ … عَنتَاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا
حُرّس يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي … حتَّى يروحَ لمنْ سواه محاسِبا
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مَفاخراً … ويحوزَ ذمَّ الأكثرينَ مثالبا
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ … ورأى الفضيلةً أنْ يظْلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يَنْشِبُ نابَهُ … في جلدِ ” أرقطِ ” لا يُبالي ناشبا
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم … أزكى من المُترهِّلين حقائبا
يتساءلونَ أينزِلونَ بلادَهم ؟ … أمْ يقطعونَ فدافِداً وسباسبا؟
إنْ يعصِرِ المتحكِّمونَ دماءَهم … أو يغتدوا صُفْرَ الوجوه شواحبا
فالأرضُ تشهدُ أنَّها خُضِبَتْ دماً … منّي ، وكان أخو النعيم الخاضبا
ماذا يضرُّ الجوعُ ؟ مجدٌ شامخٌ … أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ساغبا
أنّي أظَلُّ مع الرعيَةِ مُرْهَقاً … أنّي أظَلُّ مع الرعيَّةِ لاغبا
يتبجَّحُونَ بأنَّ موجاً طاغياً … سَدُّوا عليهِ مَنافذاً ومَساربا
كَذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي … أبداً تجوبُ مَشارقاً ومغاربا
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من … أقدارِهمْ ، وتثلُّ مجداً كاذباً
أنا حتفُهم ألِجُ البيوتَ عليهمُ … أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
خسئوا : فَلْمْ تَزَلِ الرّجولةُ حُرَّةً … تأبى لها غيرَ الأمائِلِ خاطبا
والأمثلونَ همُ السَّوادُ ، فديتُهمْ … بالأرذلينَ من الشُراةِ مَناصبا
بمُمَلِّكينَ الأجنبيَّ نفوسَهُمْ … ومُصَعِّدينَ على الجُموعِ مَناكبا
أعلِمتَ ” هاشمُ ” أيُّ وَقْدٍ جاحمٍ … هذا الأديمُ تَراهُ نِضواً شاحبا ؟
أنا ذا أمامَكَ ماثلاً متَجبِّراً … أطأ الطُغاة بشسعِ نعليَ عازبا
وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى … عُفْرَ الجباهِ على الحياةِ تكالُبا
أرثي لحالِ مزخرَفينَ حَمائلاً … في حينَ هُمْ مُتَكَهِّمونَ مَضاربا
للهِ درُّ أبٍ يراني شاخصاً … للهاجراتِ ، لحُرّش وَجْهيَ ناصبا
أتبرَّضُ الماء الزُّلالَ . وغُنيتي … كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا
أوْصى الظِّلالَ الخافقاتِ نسائماً … ألاَّ تُبرِّدَ من شَذاتي لاهبا
ودعا ظلامَ اللَّيلِ أنْ يختطَّ لي … بينَ النجومِ اللامعاتِ مَضاربا
ونهى طُيوفَ المُغرياتِ عرائساً … عنْ أنْ يعودَ لها كرايَ ملاعبا
لستُ الذي يُعطي الزمانَ قيادَه … ويروحُ عن نهجٍ تنهَّجَ ناكبا
آليتُ أقْتَحمَ الطُغاةَ مُصَرِّحاً … إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا
وغرَسْتُ رجلي في سعير عَذابِهِمْ … وثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا
وتركتُ للمشتفِّ من أسآرِهِمْ … أن يستمنَّ على الضّروعِ الحالبا
ولبينَ بينَ منافقِ متربِّصٍ … رعيَ الظروف مُواكباً ومُجانبا
يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه … ويعودُ في اللِّيل التَّقيَّ الراهبا
وتُسِيلُ أطماعُ الحياةِ لُعابَهُ … وتُشِبُّ منه سنامَهُ والغارِبا
عاشَ الحياةَ يصيدُ في مُتكدِّرٍ … منها ، ويخبِطُ في دُجاها حاطبا
حتى إذا زوَتِ المطامِعُ وجهَها … عنه ، وقطَّبَتِ اللُبانةُ حاجبا
ألقى بقارعةِ الطريقِ رداءَه … يَهدي المُضِلِّينَ الطريقَ اللاحِبا
خطَّانِ ما افترقا ، فامَّا خطَّةٌ … يلقى الكميُّ بها الطُغاة مُناصبا
الجوعُ يَرْصُدها .. وإمَّا حِطَّةٌ … تجترُّ منها طاعِماً أو شاربا
لابُدَّ ” هاشمُ ” والزَّمانُ كما ترى … يُجري مع الصَّفْوِ الزُّلالِ شوائبا
والفجرُ ينصُرُ لا محالةَ ” ديكَهُ ” … ويُطيرُ من ليلٍ ” غراباً ” ناعبا
والأرضُ تَعْمُرُ بالشّعوبِ . فلن ترى … بُوماً مَشوماً يَستطيبُ خرائبا
والحالِمونَ سيَفْقَهون إذا انجلَتْ … هذي الطّيوفُ خوادعاً وكواذباً
لابُدَّ عائدةٌ إلى عُشَّاقِها … تلكَ العهودُ وإنْ حُسِبنَ ذواهبا