هذه القصة القصيرة غير مختلفة عن قصة المغني والتي فتحت نافذة جوهرية في سرد حديث ومختلف واعني به المتنوع البناءات الفنية ، حيث حيوية الفاتحة السردية والتي تضيء ما تنطوي عليه الوحدات السردية الكلية مع سياقاتها واهتم ما يميز هذه القصة وجود تعددات في الشخوص وتنوعات في وظائفها ، على الرغم من ان البعض منها ظل متكتماً وصامتاً عن الدور المرسوم له ، مع توافق واضح بين مهمته والتماثل مع الاخرين .
وفي قصة المغني ثلاثة شخوص ، الاميرة ، بنت الاميرة والمغني وظل حاضراً في الحشد الفرح والمبتهج ، لكنه لم يعلن موقفاً . وهل كان حضور المغني من اجل الاميرة وابنتها وهما بطلان من الشرفة العالية ، وهما يستمعان لأداء المغني ويراقبان هياج الحشود .
اما قصة ( ) فهي ايضا ذات تكوين رمزي ، فيه شحنة شعرية . وظلت الشعرية فاعلة وقوية ومانحة طاقة ودعم فني للسرد المتشابك بتعددات الشخوص التي تباينت عن شخوص سردية " المغني " حيث تميزت هذه القصة ( ) بوجود الشخص المريض وامه وثلاثة شخوص ادت دور تمثيل الشخصية الواحدة المتمتعة بطاقة وقوة . لكن الفاعل كان متأخراً للغاية ودخوله قوي ، وامتلك رمزية منح الخلاص والانقاذ للشخص المريض .
توترات القصة رمزية ، منتمية بتعدد شخوصها المتباينة ونستطيع التعامل مع الام بوصفها رمزاً كبيراً ، حازت مكونات بنائية ذات توتر دلالي ، لان الفاعل الرمزي يتدخل في لحظة معينة ، تكون آنية ، خاطفة وفعلاً تكون لديها فعل امومي قوي وكأنها ورثت دورها من سلالة الامهات الاولى التي عرفتها حضارات الشرق ولعبت دوراً فاعلاً وجوهرياً وكأنها حافظت على ما افضته الفضاءات الانثربولوجية البدئية ، لان دخول الام والفعل الذي قامت به متوسلة بالشخوص الاربعة بعد دخول المتأخر هو الذي جعل من الشحنة الرمزية اللاحقة ، والاخيرة التي يمثلها الشخص الرابع الذي صاغ وحده رمزاً مختلفاً وامتلك طاقة فاعلة وغنية ، لها علاقة واضحة بالمقدس الذي عرفته الاساطير العراقية القديمة وتميزت بثقل الطقوس والشعائر . لذا تمظهرت الام بدور بارز وكبير جداً ، جعل الشخص الرابع المتسلل مع الشخوص الثلاثة واستجاب لطلب الام ورجائها المشفوع بتوسلاتها وتسرب الفعل السحري والشعائري في هذه القصة المشحونة بتعددات الحضور السردي وتبلور العنصر الشعائري لحظة دخول الشخص الرابع وسأحاول لاحقاً قراءة هذا الدور السحري المتسارك مع الاسطورة الخاصة بالالهة الكبرى واعني بها الام المعنية بفعل ما موجود بالحياة .
الدور الذي لعبه الشخص الرابع المذكر هو الذي فجر التراكم الدلالي للرمزيات الشعرية في هذه القصة القصيرة الجديدة " امي " صعدت طاقة السرد وامتدت كثيراً وكأنها حازت على سياقيات اكثر ، على الرغم من ان الواقعة السردية اكثر طولاً ، لان الوظيفة البنائية اقتضت ان تتبدى هكذا وبامتداد شعري ، كشف معتقدات الحالة التي عليها المريض ، استوجبت وجود دور للغز الذي تهيكلت عليه الشخوص السحرية ، والتي اكتفت بالصمت . من فرط الصباية والحنون ... يا ايتها الروح ، وهي الزئبق والنرجس والحناء فمن بعدك لم يعرف الفرح طريقاً لقلبي ولم يمسه المطر " اويت الى فراشي محموماً ... وجع من المطارق هوت فوق رأسي القيت جسدي المنهك حد النخاع ... دب الخدر في مفاصلي ولم اعد اسمع ، تلاشت قدرتي على الحركة ومات صوتي هو الاخر ، لكن نظري ظل سليماً ارى جيداً ثلاثة مهجعي يحملون كتاباً ، دفتراً ، لم ار مثيلاً له من قبل " .
تعريف لم يكن مثلما اطلعنا عليه الا بعد تشافيه . وما كان عليه خطر للغاية . للصمت حضور مرعب ومخيف ولم يعد قادراً على الاستماع كان الموت تجاوره معه محمولاً بآلية خفية وسحرية ، حتى انه لم يقدر على الافصاح عن وجود الشخوص الثلاثة ، هيمنوا على الغرفة وامه موجودة ، مكتفية بالمراقبة ، والابن لا يدري بالآلية التي وصل بها الخير اليها وادركت حالته الخطرة " امي تلوب ... تلوب امي تذرع غرفتي رواحاً ومجيئاً . امر يقلق امي تتوسلهم وتسترحمهم وتستعطفهم طالبة منهم الرحمة ولما لم يتفق الثلاثة عززوا برابعهم ، يبدو انه الكبير ، قوله قول فصل ، قرأ الكبير الكتاب بتأن وروية ثم قال قولاً جعل امي جعل امي تقفز فرحاً وتهلل لقوله .
الشعرية بينة في الواقعة السردية ، ثلاثة شخوص عدد رمزي تعايشت به واعتادت عليه الديانات الوثنية والتاريخية والتوحيدية وعرفته الدراسات الميثولوجية والانثربولوجية بمبدأ الثليث ، هم تفحصوا حالة المريض في صفحة من الكتاب لكنهم اكتفوا بالصمت ، لكن الشخص الرابع الواحد هو اتخذ قراراً . لكنه منح امي فرصة والاستشار ، غادر الاربعة وظلت الام وسط الغرفة ، وبعد انتهاء مهمة الاربعة ، نزعت الام شيلتها ومسحت رأسه حتى شعر بدبيب الدم يسري بأطرافه واستعاد حياته واستجابة جسده وارتفع صوته منادياً بكل ما امتلك من قوة وهي تصرخ بقوة هزت اركان الغرفة ..... امي " تهيكلت هذه القصة على الحلم وهنا تنوع ــ مثلما قلت ــ مهارات القاص فلاح سرهيد ، الرمزيات الشعرية من العناصر البنائية التي توظفها المزاولات الادبية وكذلك الحلم ، بالإمكان الاعلان عن الواقعة باعتبارها حدثاً ويستقيم السياق السردي لكن القاص اراد اللعب وهو من المهارات التي تتمظهر بالأنواع الادبية .
اما الام فهي بحضورها المساهم بالأنفاذ واستجابة الشخص الرابع الذي حاز على عنصر الشعائرية والسحرية ، ولانه الرابع وسط الغرفة ورث الرمز السحري للإله انكي / ايا في الديانة السومرية والاكدية وتوفر على العقل والحكمة والسحر ، حاز قدرة تخلص الابن المريض استجابة لطلب امه التي هي امتداد لدور الام الكبرى ووظائفها الكثيرة التي عرفت في الديانة السومرية وحتى الاشورية .
قصة امي اكبر كل القصص تداخلاً وتشاكلاً بين الرمزي والمتخيل وايضاً بين الغرائبي واللامعقول ، هذا معاً خضع لسيرورة هادئة ، حتى نفذت الام الحلمية الو ربما هي امه الحقيقية ، لكن فجوة السرد تجعل من الام زائراً غريباً نجح بحلمية العودة للحياة وحيازة الكائن لما يريد لحياته ان تستمر . وتعالت كثيراً القيمة الرمزية " للشيلة " مستعادة من المعروف اليومي والمألوف ، لانها دال كبير على شرف المرأة او المرأة وهي معنى لعصمتها العظيمة التي تكونت لديها عبر حياة طويلة جداً .